‏إظهار الرسائل ذات التسميات أفنان فهيد. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات أفنان فهيد. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

شبح "الماضي" لا يفارقنا

الماضي .. هل يطاردنا أم نطارده ؟ هذا هو السؤال الذي ستوجهه لنفسك بعد مشاهدة فيلم "الماضي" من إخراج الإيراني "أصغر فرهادي".
     الفيلم يعد دَمْجا للسينما الفرنسية والإيرانية وللثقافتين أيضاً. فالتأليف والإخراج لـ"أصغر فرهادي" والتمثيل موزع بين ممثلين إيرانيين وفرنسيين .
     تدور أحداث الفيلم في ثلاثة أيام، وتتمحور حول حياة امرأة فرنسية أرسلت لزوجها الإيراني المنفصلة عنه كي يجيء إلى فرنسا لينهي اجراءات الطلاق.

     يبدأ الفيلم بمشهد للمطار في إحدى مدن فرنسا، حيث تلوّح امرأة لرجل وصل لتوه على متن الطائرة القادمة من طهران .
     تلك المرأة هي "ماريان" و التي لعبت دورها الممثلة الفرنسية "برينيس بيجو" وذلك الرجل هو "أحمد" الذي لعب دوره الممثل الإيراني "علي مصطفى".وهما الزوج والزوجة المنفصلان.
    فالزوج الإيراني "أحمد" ذهب منذ سنوات للعيش في فرنسا، لكنه فشل في الحياة هناك. ليعود إلى وطنه وهو يجر أذيال الخيبة بعدما تعرض لأزمة نفسية شديدة، ترك على إثْرها زوجته الفرنسية وابنتيها، محاولاً أن ينسى التجربة برمتها. لكنه لم يقطع علاقته كليةً مع "ماريان". بل استمرا في تبادل الرسائل عبر البريد الإلكتروني كل فترة. لتطلب منه في الرسالة الأخيرة أن يذهب لفرنسا ليُنهي اجراءات الطلاق، ليفاجأ بعد حضوره بوضع جديد. فـ "ماريان" قد ارتبطت بشخص آخر ويقيم معها في المنزل هو وابنه الصغير ذو الخمسة أعوام.
علاقة "ماريان "و"سمير" جادة. فـ "ماريان" قد حَمَلت بالفعل من "سمير" وتنتظر أن يتزوجا بعد أن ينهي مشكلته مع زوجته. تلك الزوجة الراقدة في غيبوبة بعد محاولة انتحار، عقب أزمة نفسية ألمّت بها وأودت بها نحو اكتئاب حاد.
     بعد وصول "أحمد" تُخبره "ماريان" أنها لم تحجز له للمبيت في فندق، فيضطر أن يشارك الطفل الصغير ابن "سمير" في غرفته. سيبدو ذلك للمتفرج نوع من أنواع الانتقام، وهذا حقيقيّ. فـ "ماريان" لازالت واقعة في حب "أحمد"، وأتت به من طهران إلى فرنسا ليري أنها بخير من دونه وأنها تقيم علاقة ناجحة وجادة مع غيره.

     فيما بعد هذا المشهد التمهيدي، تبدأ ظهور الشخصيات الأخرى المحورية في الفيلم. وعلى رأسهم "لوسي" الابنة الكبرى لماريان من زوجها الأول، والتي قامت بدورها الممثلة الفرنسية الشابة "بولين بورليه".
     مراهقة في السادسة عشر تبدو عليها علامات الإرهاق والإكتئاب. ليست على وفاق مع أمها وتحاول استفزازها بكل الطرق كي لا تتزوج من "سمير".  تعود للبيت ليلا، من أجل النوم فقط. كانت متعلقة بزوج أمها الإيراني وتُحبّه جدا، مما يدفع الأم أن تطلب منه الحديث إليها.

     تكشف "لوسي" لـ"أحمد" الزوايا الخفية في علاقة أمها وسمير. فزوجته التي حاولت الانتحار لازالت في غيبوبة ولم تمت كما يظن أحمد. وحين يحاول اقناعها أن انتحار "سيلين" لا دخل له بعلاقة أمها وسمير، تعترف له أنها أرسلت كل رسائل الغرام بين أمها و"سمير" إلى "سيلين" قبل انتحارها بيومين !. وأن انتحار سيلين هو سبب عدم بقائها في المنزل، فالشعور بالذنب تجاه "فؤاد" ابن "سمير" يقتلها. ثم تعود وتبرر فعلتها بأنها كانت محاولة لإبعاد أمها عن سمير. فأمها تزوجت بعد أبيها مرتين، وفشلت فشلا ذريعا بعدما هجرها زوجيها. ثم هاهي ترتبط بـ"سمير" والذي سيتركها يوما ما لا محالة لأنه لازال متزوجا.
     الشخصية المحورية التالية هي "سمير". الرجل الذي حاولت زوجته قتل نفسها أمام نظر ابنهما الصغير، بعدما عرفت عن أمر علاقته مع ماريان، الأمر الذي كان خافيا عليه ولم يعلمه حتى نهاية الفيلم. "سمير" شخص غيور، يشعر أن علاقة ماريان به لم تكن إلا لملء فراغ تركه "أحمد" في حياتها. كما أنه أب خائف على ابنه من التغيرات التي طرأت على حياته مؤخراً، لذا نراه غاضبًا بشدة من ظهور أحمد.
الشخصية الخامسة هي الطفل "فؤاد" ابن "سمير"، والذي قام بدوره الطفل الفرنسي "إليه أجيس" والذي برع  في تجسيد الدور. فنظرات الغضب الدائم على ملامحه تفوق سنه كثيراً ولا تصدُر إلا من طفل غاضب فعلا أو ممثل ماهر. شخصية فؤاد، مُركبة وصعبة. طفل تنتحر والدته أمام ناظريه بعد أن شربت سائل التنظيف, ثم يُجبَر على أن يترك منزله ليذهب ليعيش مع عشيقة والده -التي كانت سببا في انتحار أمه- وابنتيها. ثم تجبره ماريان أن ينام في غرفه واحده مع زوجها السابق والذي يعامله بلطف شديد على عكس والده ومارايان -التي تكون عصبية أحياناً-. ثم يُجبر مرة أخرى أن يعود إلى منزلهم الذي سبق وأخبره والده أنهما لن يعودا إليه مرة ثانية.
لا يفهم الطفل لماذا لا يفصل الأطباء الأسلاك وأجهزة الإعاشة عن أمه فهي بكل بساطة لا تريد أن تعيش. فعندما يحاول أحدهم الإنتحار هذا يعني أنه لا يريد الحياة !.
هذه كانت نوعية الأفكار التي تغزو رأس "فؤاد" معظم الوقت.

     ثم يجيء دور "لِيا" الابنة الثانية لماريان من زوجها الثاني والتي لعبت دورها الطفلة الفرنسية "جين جاستين". طفلة عادية انفصلت أمها –أيضًا-عن والدها. لا تفهم أي شيء مما يدور حولها في المنزل من خلافات وشجارات منذ أن ظهر "أحمد" ثانيةً. لكنها توضح أنها لا تريد أن تبقى في المنزل إن غادرته أختها الكبرى "لوسي".
    
 ثم يجيء دور الشخصيات الثانوية وهم ببساطة ثلاث شخصيات:
     "شهريار" الصديق الإيراني لـ"أحمد" والذي قام بدوره الممثل الإيراني "بابك كريمي" وزوجته "فاليريا" والتي قامت بدورها "فاليريا كافالي" وهما شخصان على عكس "أحمد" نجحا في العيش في فرنسا ولم يعودا لإيران مرة أخرى بعد أن فتحها مطعم ومقهى ونجح مشروعهما واستطاعا التكيف على العيش في فرنسا .
     ثم يجيء دور الشخصية الأخيرة "نعيمة". الفتاة التي تعمل بصفة غير قانونية في محل "سمير" لغسيل الملابس والتي قامت بدورها "سابرينا أوزاني". ويتضح لنا أنها السبب الرئيسي في انتحار "سيلين" زوجة "سمير". فعندما اتصلت "لوسي" لأول مرة بزوجة "سيلين" ردت نعيمة عليها وأعطتها إيميل "سيلين" ظناً منها أن "سيلين" تكرهها وتريد طردها من العمل أو تسليمها للشرطة.

     وبما أننا نتحدث عن فيلم من تأليف وإخراج "أصغر فرهادي" فيجب إذاً أن نُفتّش عنه بين شخصيات الفيلم. فـ"أصغر فرهادي" متأثر دائما وأبدا بفكرة الإنفصال والطلاق في أفلامه كما فعل من قبل في فيلم
A Separation (2011HYPERLINK "http://www.imdb.com/title/tt1832382/?ref_=nv_sr_1"). فوالدا أصغر فرهادي انفصلا عن بعضهما البعض وهو لا يزال طفل صغير. الأمر الذي ترك أثره الحاد في نفس أصغر وانعكس في معظم أعماله بشكل كبير.
     فيمكنك عزيزي القارئ أن ترى انعكاس شخصيته بوضوح في شخصيات كل من الأبناء "فؤاد" و"لوسي" و"لِيا".  حيث التشتت والاكتئاب وإحساس الضياع بين علاقات الأم والأب المتعددة. فالحياة الزوجية تخص الأب والأم وحدهما وعندما تنتهي ويقرر الأم والأب الانفصال لا يستطيع الأطفال منع ذلك بأي حال على الأحوال.
     يميل "أصغر" في معظم أعماله إلى النهايات المفتوحة غير المفهومة. فالفيلم ينتهي و"سمير" ذاهب للمستشفى في محاولة أخيرة لإفاقة زوجته، حاملاً معه جميع زجاجات العطور الخاصة بهما كما طلب منه الطبيب. ليخرج إليه الطبيب ويخبره أن لا أمل، فالمريضة لا تستجيب. فيعود ويسأل "سمير" الممرضة هل جربتم كل العطور؟ لتجيب بل فقط اثنان. ليدخل إلى غرفة زوجته ويضع من العطر الذي كانت تفضله ويقترب منها.. لتنساب دمعة من عينها اليسرى ثم ينتهي المشهد وهو ممسك بيديها منتظر أن تضغط عليها. ليتركك المخرج في حيرة هل حقا لمحنا حركة خفيفة؟ أم أننا تخيلنا ذلك؟ وما معنى الدمعة؟ هل هي شيء ذو قيمة طبية أم ليس لها علاقة بالأمر؟
     هكذا ينتهي الفيلم ولا نعلم.. هل سيبقى "سمير" بجوار زوجته أم سيعود لـ"ماريان"؟ كيف ستعيش "لوسي" بذنب "سيلين"؟ هل سيعود "أحمد" لحياته في إيران بهذه البساطة وكأن شيئاً لم يكن؟
الفيلم ليس له موسيقي تصويرية. فقد اعتمد المخرج على الأصوات الخارجية من مرور سيارات ومشاه وحديث الناس فقط. كذلك لا يوجد مكياج للممثلات والممثلين. وقد اختار المخرج الأم وابنتيها بدقة شديدة، فيمكنك أن تلاحظ الشبه الكبير بينهم وأنهن جميعاً يملكن نفس نوعية الشعر ومشتركات في الهيئة والمظهر العام
     الفيلم عبارة عن عرض لحياة أسرة في ثلاثة أيام وما طرأ عليها من ظهور شخصيات من الماضي دون تدخل المؤثرات البصرية والسمعية في الفيلم. وهو الأمر الذي اعتاده "أصغر" في أفلامه سواء كانت إيرانية خالصة أم ذات إنتاج مشترك مع دولة أخرى كـفيلم "الماضي" الذي نتحدث عنه .
     دَمَج الفيلم -كما ذكرت سابقا- بين السينما الإيرانية بتفاصيلها وطريقة إخراجها المميزة وبين السينما الفرنسية بممثليها الذين بذلوا مجهودا كبيرا للقيام بعمل مختلف عن نمط الأعمال الفرنسية التي اعتادوا عليها. وكذلك الدمج بين الثقافتين فبالرغم من أن "أحمد" ترك إيران وتوجه بمحض إرادته إلى فرنسا، إلا أنه لم يستطع التكيّف مع العادات الجديدة ففشل في الحياة وعاد لوطنه.      وبالرغم من أنه منفصل عن زوجته لم يتقبل فكرة إقامتها علاقة مع أحدهم وأن يعيشا معا في منزل واحد قبل انتهاء اجراءات طلاقها.
     في النهاية،  لا تستطيع أن تدرك كم الأفكار التي يحملها الفيلم من مشاهدة واحدة. وربما ستحتاج أن تعيد الكرة لتفهم أكثر وتستوعب التفاصيل أكثر فهذا العمل من نوعية الأفلام التي سترى فيه كل مرة تشاهده، شيئا جديدا عن المرة السابقة. فالكثير من الأمور ذكرها الممثلين بالتلميح لا بالتصريح خلال الحوار. وإن كنت من معجبي "أصغر فرهادي" وتعرف عن حياته القليل ستجد نفسك تربط بين شخصيات أفلامه وبين شخصه والإطار الذي دائماً يرسمه لأفلامه.


الأحد، 27 سبتمبر 2015

دعيني أنقذ السيد "بانكس"




     بين كل الأفلام هناك دوماً فيلم رائع تتوفر به كل المقومات التي تجعل منه فيلماً رائعاً بالمعنى الحرفي .. ولكن للأسف لا يحصل
 على الشهرة المناسبة فلا نسمع عنه في الوطن العربي ولا يعرض في دور العرض بالتزامن مع عرضه بالخارج ، قد يكون ذلك بسبب أن الفيلم لا يعتبر فيلما جماهيريا، فهو يتحدث عن قصة إنسانية لا عن قضية شائكة. ومن هذه الأفلام، الفيلم الذي سأتحث عنه الآن وهو:
Saving Mr. Banks المُنتج سنة 2013.
في البداية دعني أسألك عزيزي القاريء؛ هل شاهدت في طفولتك الفيلم الشهير "Marry Poppins"؟

ذلك الفيلم الذي يتحدث عن مربية تهبط من السماء بواسطة مظلتها وتنطبق عليها جميع الشروط التي وضعها الطفلان اللذان ستقوم برعايتهما .


هذا الفيلم بالتحديد وراءه قصة كفاح قام بها "والت ديزني" واستمرت عشرون عاماّ حتى استطاع أن يقنع "باميلا ترافيرز" كاتبة القصة تحويلها لفيلم.

وقصة الكفاح الدؤوب ها هنا، هي ما تدور حوله أحداث فيلم: Saving Mr. Banks 



يبدأ الفيلم بنغمة موسيقية جذابة ثم يظهر في المشهد طفلة جالسة على أرض سَهلية خضراء في (ماريبوروه) باستراليا عام 1906 ما أن تُغمض عينيها وترفع رأسها إلى أعلى حتى تتحول إلى بطلة الفيلم "إيما ثومباسون" التي تقوم بدور "باميلا ترافيرز" الكاتبة .


     فالفيلم تم دمجه بين مشاهد تحدث في الحاضر -وقت تصوير فيلم "ماري بوبينز" بعد أن وافقت الكاتبة أخيراً على تحويل القصة لفيلم بسبب مرورها بضائقة مالية- وبين مشاهد الفلاش باك عندما كانت طفلة صغيرة ومن أين استلهمت قصتها "ماري بوبينز" .
يتضح لنا أن الكاتبة حين كانت صغيرة كان لها أب مثالي يعاملها على أنها أميرة ويؤكد لها قدرتها على تحقيق أي شيء تستطيع الحلم به .
ويقوم بدور الأب النجم "كولين فاريل".



وبالرغم من كون الأب مثالي، إلا أنه لم يكن زوجا مثاليا أبدا. فقد عانى "ترافيرز جوف" من إدمانه للكحوليات وتنقله بين الوظائف في بنوك عدة بين بلدة وأخرى في قارة استراليا، وتعرض هو وأسرته للعديد من الأزمات المالية جراء ذلك .


تستوحى الكاتبة شخصية "سّيد بانكس " في قصتها ماري بوبينز من شخصية أبيها والتي غيّرت بعض تفاصيلها فجعلته يبدوا أب قاسي قليلاً على أولاده وملتزم وجدّي في عمله .

 تسافر الكاتبة من لندن إلى الولايات المتحدة بعد أن وافقت على عرض "والت ديزني" و الذي يقوم بدوره " توم هانكس" على تحويل قصتها إلى فيلم ولكن بشروطها، والتي لم تكن سهلة على الإطلاق.

تتحدث الكاتبة عن العزيزة ماري بوبينز كأنها أحد افرد عائلتها وأنها كل ما تبقى لها منهم, فلا عجب من ذلك فستكشف لنا أحداث الفيلم أن شخصية ماري بوبينز ما هي إلا خالتها التي جاءت لتنقذهم بعد أن أرقد المرض والدها بعد تهالك كبده بسبب الإفراط في شرب الكحول.تلعب دور الخالة "راشيل جريفث".

 في المشهد الأول لها، تظهر الخالة بمظلتها وحقيبتها كأنها هبطت من السماء لنجدتهم. فبحوذتها جميع أنواع الدواء المتوفرة في ذلك الوقت, ويتضح لنا من الأحداث أن الأب لا يحبها لشدتها وإلتزامها بمسؤلياتها, على النقيض من شخصيته تماما.

نعود إلى "باميلا" التي حرصت على وضع كل العراقيل الممكنة لتُفشِل خطة تحويل القصة إلى فيلم, ففي البداية اشترطت، أن لا رسوم متحركة إطلاقاً. لا أغاني. لا موسيقى.
-  لا أريد أن يكون أي لون أحمر في الفيلم إطلاقاً!
-  ولكن سيدتي أحداث الفيلم في لندن ماذا سنفعل في كابينات الهواتف والحافلات؟!!

  أقنعوها تدريجيًا بوجوب وجود بعض الأغاني في الفيلم, وهنا ستتسائل عزيزي القارئ، لماذا كل هذا التعصب والتفنن في وضع العراقيل والشروط؟ في الحقيقة أن "باميلا" كانت خائفة من ضياع ماري بوبينز منها ووضعها على رف من رفوف ديزني البراقة الخادعة للأطفال والتي تًصور الحياة بأنها وردية حيث السحر يحيط بنا من كل جانب وما أن يكبروا حتى يجدوا أنفسهم وحيدين في الواقع الصادم.

  وهنا يظهر سؤال آخر في ذهن المشاهد:  لماذا كافح "والت ديزني" عشرون عاما للحصول على هذه القصة وتحويلها لفيلم وقد انتجت شركة ديزني في تلك الفترة تحف فنية يشاهدها الكبار قبل الصغار؟
الجواب بسيط، فـ "والت ديزني" أيضاً أب مثالي وعد ابنتاه منذ عشرون عاماً أنه سيحول قصة ماري بوبينز إلى فيلم من إنتاج ديزني , وعندما يعد الأب يجب أن يَفيّ .

من شخصيات الفيلم المميزة "رالف" السائق, المتعهد بتوصيل "باميلا" يومياً من الفندق إلى المكتب حيث يعملون على سيناريو الفيلم, وهو الآخر أب مثالي لطفلة من ذوي الاحتياجات الخاصة . وكأن الفيلم معنيّ 
بتجميع كل الآباء المثاليين وتسليط الضوء عليهم وعلى علاقتهم الرائعة بأبنائهم.
 المشهدين الرئيسيين في الفيلم –ويصعب إختيار ذلك فالفيلم مليء بالمشاهد العظيمة- عندما عرض المؤلف و الملحن أغنية Let's go fly a kite على "باميلا" فاستسلمت للموسيقى ورقصت معهم ثم لتفاجأ على أنهم سيدخلون الرسوم المتحركة في الفيلم لتنفيذ طيور البطريق الراقصة , لتمزق العقد وترحل عائدة إلى لندن .
والمشهد الثاني عندما يسافر لها "والت ديزني" ويحكي لها عن طفولته المريرة و أن أباه كان قاسي على عكس أباها ولكنه سامحه وبنى له جزء في مدينة ديزني باسمه , ثم يرجوها قائلاً "دعيني أنقذ السّيد بانكس" .
لتجلس "باميلا" أمام دمية ميكي ماوس وتنظر إليها ثم تنظر للعقد و تقول "كفى" وتوقعه في استسلام لتترك ماري بوبينز في أمانة "والت ديزني".


يجيء الدور للحديث عن الموسيقى التصويرية والتي رشحت لجائزة أوسكار والتي قام "توماس نيومان" بتأليفها. نغمة جذابة للغاية ومميزة تليق بحالة الفيلم بين الحاضر والماضي و روح ماري بوبينز المهيمنة  على الجو العام للفيلم , وجدير بالذكر أنها رُشحت أيضاَ لجائزة BAFTA Awards


 الإخراج والمونتاج سارا على خط واحد وبمنتهى الحرفية ليوازنوا بين الحاضر والماضي. قام بالإخراج "جون لي هانكوك" وقام بالمونتاج "مارك ليفولساي".

أما الإضاءة والألوان فكانت مشرقة وجذابة للغاية وتليق بروح الفيلم وقام عليها فريق كبير متمكن.

الأزياء عبرت جيداً عن أسلوب الشخصيات فكلها شخصيات حقيقية وعن أحداث الفيلم في الستينات وهناك جانب الماضي أيضاً وقت طفولة "باميلا" في أول القرن العشرين في استراليا , عبر عن تصميمهم بصورة جيدة " دانيال أورلاندي ".

أما المكياج وتصفيف الشعر الذي حوّل الممثلين للشخصيات التي جسدوها تماماً فهو من تنفيذ فريق ضخم متمكن للغاية و قاموا بالعمل في تناغم شديد .
أداء الممثلين رائع كما هو متوقع منهم, فجميعهم تقمصوا الشخصيات المطلوبة وعبّروا عنها بصورة ممتازة .

بعد أن تشاهد الفيلم ستجد نفسك عزيزي المشاهد توّد مشاهدة فيلم ماري بوبينز أو قراءة قصتها مرة أخرى, وعند كل مشهد ذُكر القصة ستنتابك القشعريرة, وستجد قلبك يخفق مع نغمات موسيقى أغاني الفيلم وكلماتها بعد أن عرفت القصة وراء تأليفها .


الفيلم بوجه عام قطعة فنية مُغلفة بحالة إنسانية رائعة لم تأخذ حقها على الإطلاق في الانتشار في الوطن العربي . ولكن الفيلم أثبت جدارته عندما رُشح للعديد من الجوائز من بينها الأوسكار والجولدن جلوب  .


فيلا 69, ومشهد الوداع الأخير


  1. فيلا 69, ومشهد الوداع  الأخير



    تحمست للفيلم منذ أن شاهدت إعلانه للمرة الأولي ، على الرغم من أن دور العرض حصرته في وقت عرض سيء كعادتها في التعامل مع أفلام السينما المستقلة ، إلا أنني استطعت أن اشاهده في التوقت المناسب قبل رفعه من السينمات بأيام قليلة .



المشهد  الأول : الكاميرا تصور النيل ثم يظهر صوت "خالد أبو النجا" في الخلفية :


مش فاكر أوي .. يمكن لما رجعت من باريس بعد 3 سنين ودخلت البيت أول مرة ، لا لا .. يمكن لما خلصت أول مشروع صممته وشوفته كله على بعضه ، أول مرة بوست بنت .. كنت في السينما ، يمكن لما كنت بفطر مع أمي و أبويا كل يوم الصبح .. كان ميعاد مقدس .



ثم يظهر صوت محمد عبد الوهاب في الخلفية بأغينة " كان أجمل يوم " .
لتتركك المخرجة تتسائل ، ماهو أجمل يوم في حياتك ؟



هكذا بدأ فيلم فيلا 69 من إخراج "أيتن أمين" و تأليف " محمد الحاج" و "محمود عزت" .


     تدور أحداث الفيلم عن حياة " حسين" الذي يقوم بدوره "خالد أبو النجا" ، في عرض سريع لآخر أيامه في الحياة ، فـ "حسين" مريض بمرض خبيث سيودي بحياته قريباً فقرر أن يعزل نفسه في منزله و هو فيلا 69 الكائنة على النيل مباشرةً ، مع خادمه "عبد الحميد" الذي اضطر لتركه بحجة أن والده مريض و سيقوم 
 بإجراء عملية .





ليتركه –دون أن يخبره- في أمانة أخته الكبرى "نادرة" و التي تلعب دورها الفنانة "لبلبة" ، فتتحجج بإصلاحات تقوم في منزلها كي تحضر هي و حفيدها و تقيم مع أخيها في منزل والدهما .



     طيلة مدة اختفاء "حسين" عن الأنظار لم يكن يرى سوى خادمه و "هناء" \ "هبة يسري" التي تعمل بصيدلية قريبة و تحضر لإعطائه الدواء ، و "حيدر" \ "أمجد رياض" المهندس الذي ينيب عنه في مكتبه . 

     تزدحم فجأة حياة "حسين" الهادئة بأخته نادرة و حفيدها "سيف" الذي يقوم بدوره "عمر الغندور" و صديقته "آية" التي تقوم بدورها "سالي عابد" ، ليجد نفسه مرة أخرى يندمج في الحياة العامة التي سبق أن عزل نفسه عنها .

حسين يمثل الرجل العجوز سليط اللسان نوعاً العنيف الملتزم بوضعية الهجوم في معظم الأحيان إلا أنه دخل قلب كل من شاهد الفيلم ، فستجد شخصية حسين في كل عائلة ، لم يدخن قط خوفاً على صحته ولكن هذا لم يمنع المرض من ضرب حصونه ومهاجمته ، فبعد أن عرف بمرضه و أن الباقى فى حياته اياما معدودة،  قرر أن ينعزل و يحيط نفسه بمن يحبهم فقط في نوع من الأنانية ، واتصل بحبيبته السابقة " سناء" \ "أروى جودة" لتعود لزيارته.



الفيلم لا يهتم بالأحداث قدر اهتمامه بالتفاصيل ، فطريقة الإخراج التي قدمتها لنا "أيتن أمين" في تصوير النوافذ و الستائر و أصوات المطر وهي تصطدم بالزجاج تشبه كثيراً السينما الإيرانية في تفاصيلها ، وقد لا يصدق المشاهد أن هذا هو العمل الأول للمخرجة .
     
قد يعتري الملل المتفرج الذي لا يهتم بالتفاصيل قدر اهتمامه بالأحداث في بعض المشاهد ،  لكن الفيلم -كما ذكرنا من قبل- عبارة عن رسالة وداع حسين للحياة ، أحداث الفيلم لا تدور في أكثر من أسبوع واحد و التغيير الذي طرأ في حياته جراء ما قامت به شقيقته نادرة و حفيدها و صديقته ، فقرر حسين أن يكون أكثر ودّية فحل أزمة زواج "هناء" و قام بالتنازل عن نصيبه في المكتب الهندسي لـ "حيدر" و وافق على أنه تحضر فرقة "سيف" للتمرين في منزله ، و أن يتوقف عن طرد أخته ويتركها في المنزل حتى يقضي نحبه لتودعه بطريقتها ..
 تظهر ثلاث شخصيات في الفيلم يحتار المتفرج في تفسيروجودهم فملابسهم من السبعينات و يبدو عليهم أنهم من أصدقاء حسين منذ سنوات الدراسة في الجامعة ولا يظهروا سوى في المساء عند ذهابه للنوم ، قد يكونوا من هلاوس المرض أو من تأثير الدواء .









أما عن الموسيقى التصويرية للفيلم فهي غاية في الروعة من تأليف "خالد شكري" مستوحاة من لحن (كان أجمل يوم) لمحمد عبد الوهاب ، و يتخلل بعض المشاهد أكثر من أغنية أو لحن لعبد الوهاب تم دمجه بصورة جيدة مع الاحداث . (يمكن سماع الموسيقي من هنا) او معزوفة على بلد المحبوب من هنا
 الديكور يدل على شخصية حسين الرجل الكبير في السن ، فأثاثه قديم كلاسيكي ، يغلب عليه الطابع الفني و الذوق الفذ للشخصية التي تعيش بالمنزل منعزل عن الحداثة فلا يوجد تلفاز ولا هواتف محمولة ، الديكور من تصميم "شهيرة ناصف" .



  ثم يجيء الحديث عن المكياج الذي قفز بخالد أبو النجا العديد من السنوات فتجعل المشاهد لا يصدق للوهلة الأولى أن هذا هو خالد أبو النجا الفنان الشاب ، دون وجود مبالغات في التنفيذ قام به "طارق مصطفى" .


و من ناحية الأزياء التي عبرت عن الحداثة تارة والكلاسيكية تارة أخرى  فهي من تصميم "نيرة الدهشوري" .


 الفيلم غاية في البساطة يتركك في حالة عجيبة من النشوة و الشغف و الجمال ورغم أنه العمل الأول لأكثر من ممثل في فريق العمل و لكنهم قاموا بالعمل في حرفية شديدة ، أداء الممثلين يمكن اعتباره من نوعية السهل الممتنع  و بداية جيدة لمن أراد منهم السير في طريق الفن .
 يتمتع المشاهد بالقصة الجذابة و بالأداء الساحر ، أما إختيار الفيلا كفيلا لها مكانتها الأثرية عند المهندسين المعماريين كان إختيار موَفق .
والفيلم يضعنا أيضاً أمام تساؤل : إلى متى سيتم إهمال السينما المستقلة و تهميش دورها و حصرها في أوقات غير مناسبة للجمهور بحجة الإيرادات و شباك التذاكر ؟
فقد حصد الفيلم عدة من الجوائز في أكثر من مهرجان ، وبالرغم من ذلك لم يسمع عنه الكثيرين من المشاهدين ولم تتخطى إيراداته النصف مليون جنيه مصري .
فالأفلام التي تقدم نوع راقي من الفن لا تعتبر مشروع مربح للمنتجين ، فشركات الإنتاج و دور العرض تفضل الأفلام البذيئة و المُسفة بإعتبارها ترضي الطبقة العظمى من الجمهور .
في حين أنها تطلق على أفلام السينما المستقلة لقب –أفلام مهرجانات- ، فهل حقاً ذوق المشاهد المصري خصوصاً و العربي عموماً إنحدر إلى ذلك الحد ؟
شاهد الفيلم من هنا