الأحد، 27 سبتمبر 2015

دعيني أنقذ السيد "بانكس"




     بين كل الأفلام هناك دوماً فيلم رائع تتوفر به كل المقومات التي تجعل منه فيلماً رائعاً بالمعنى الحرفي .. ولكن للأسف لا يحصل
 على الشهرة المناسبة فلا نسمع عنه في الوطن العربي ولا يعرض في دور العرض بالتزامن مع عرضه بالخارج ، قد يكون ذلك بسبب أن الفيلم لا يعتبر فيلما جماهيريا، فهو يتحدث عن قصة إنسانية لا عن قضية شائكة. ومن هذه الأفلام، الفيلم الذي سأتحث عنه الآن وهو:
Saving Mr. Banks المُنتج سنة 2013.
في البداية دعني أسألك عزيزي القاريء؛ هل شاهدت في طفولتك الفيلم الشهير "Marry Poppins"؟

ذلك الفيلم الذي يتحدث عن مربية تهبط من السماء بواسطة مظلتها وتنطبق عليها جميع الشروط التي وضعها الطفلان اللذان ستقوم برعايتهما .


هذا الفيلم بالتحديد وراءه قصة كفاح قام بها "والت ديزني" واستمرت عشرون عاماّ حتى استطاع أن يقنع "باميلا ترافيرز" كاتبة القصة تحويلها لفيلم.

وقصة الكفاح الدؤوب ها هنا، هي ما تدور حوله أحداث فيلم: Saving Mr. Banks 



يبدأ الفيلم بنغمة موسيقية جذابة ثم يظهر في المشهد طفلة جالسة على أرض سَهلية خضراء في (ماريبوروه) باستراليا عام 1906 ما أن تُغمض عينيها وترفع رأسها إلى أعلى حتى تتحول إلى بطلة الفيلم "إيما ثومباسون" التي تقوم بدور "باميلا ترافيرز" الكاتبة .


     فالفيلم تم دمجه بين مشاهد تحدث في الحاضر -وقت تصوير فيلم "ماري بوبينز" بعد أن وافقت الكاتبة أخيراً على تحويل القصة لفيلم بسبب مرورها بضائقة مالية- وبين مشاهد الفلاش باك عندما كانت طفلة صغيرة ومن أين استلهمت قصتها "ماري بوبينز" .
يتضح لنا أن الكاتبة حين كانت صغيرة كان لها أب مثالي يعاملها على أنها أميرة ويؤكد لها قدرتها على تحقيق أي شيء تستطيع الحلم به .
ويقوم بدور الأب النجم "كولين فاريل".



وبالرغم من كون الأب مثالي، إلا أنه لم يكن زوجا مثاليا أبدا. فقد عانى "ترافيرز جوف" من إدمانه للكحوليات وتنقله بين الوظائف في بنوك عدة بين بلدة وأخرى في قارة استراليا، وتعرض هو وأسرته للعديد من الأزمات المالية جراء ذلك .


تستوحى الكاتبة شخصية "سّيد بانكس " في قصتها ماري بوبينز من شخصية أبيها والتي غيّرت بعض تفاصيلها فجعلته يبدوا أب قاسي قليلاً على أولاده وملتزم وجدّي في عمله .

 تسافر الكاتبة من لندن إلى الولايات المتحدة بعد أن وافقت على عرض "والت ديزني" و الذي يقوم بدوره " توم هانكس" على تحويل قصتها إلى فيلم ولكن بشروطها، والتي لم تكن سهلة على الإطلاق.

تتحدث الكاتبة عن العزيزة ماري بوبينز كأنها أحد افرد عائلتها وأنها كل ما تبقى لها منهم, فلا عجب من ذلك فستكشف لنا أحداث الفيلم أن شخصية ماري بوبينز ما هي إلا خالتها التي جاءت لتنقذهم بعد أن أرقد المرض والدها بعد تهالك كبده بسبب الإفراط في شرب الكحول.تلعب دور الخالة "راشيل جريفث".

 في المشهد الأول لها، تظهر الخالة بمظلتها وحقيبتها كأنها هبطت من السماء لنجدتهم. فبحوذتها جميع أنواع الدواء المتوفرة في ذلك الوقت, ويتضح لنا من الأحداث أن الأب لا يحبها لشدتها وإلتزامها بمسؤلياتها, على النقيض من شخصيته تماما.

نعود إلى "باميلا" التي حرصت على وضع كل العراقيل الممكنة لتُفشِل خطة تحويل القصة إلى فيلم, ففي البداية اشترطت، أن لا رسوم متحركة إطلاقاً. لا أغاني. لا موسيقى.
-  لا أريد أن يكون أي لون أحمر في الفيلم إطلاقاً!
-  ولكن سيدتي أحداث الفيلم في لندن ماذا سنفعل في كابينات الهواتف والحافلات؟!!

  أقنعوها تدريجيًا بوجوب وجود بعض الأغاني في الفيلم, وهنا ستتسائل عزيزي القارئ، لماذا كل هذا التعصب والتفنن في وضع العراقيل والشروط؟ في الحقيقة أن "باميلا" كانت خائفة من ضياع ماري بوبينز منها ووضعها على رف من رفوف ديزني البراقة الخادعة للأطفال والتي تًصور الحياة بأنها وردية حيث السحر يحيط بنا من كل جانب وما أن يكبروا حتى يجدوا أنفسهم وحيدين في الواقع الصادم.

  وهنا يظهر سؤال آخر في ذهن المشاهد:  لماذا كافح "والت ديزني" عشرون عاما للحصول على هذه القصة وتحويلها لفيلم وقد انتجت شركة ديزني في تلك الفترة تحف فنية يشاهدها الكبار قبل الصغار؟
الجواب بسيط، فـ "والت ديزني" أيضاً أب مثالي وعد ابنتاه منذ عشرون عاماً أنه سيحول قصة ماري بوبينز إلى فيلم من إنتاج ديزني , وعندما يعد الأب يجب أن يَفيّ .

من شخصيات الفيلم المميزة "رالف" السائق, المتعهد بتوصيل "باميلا" يومياً من الفندق إلى المكتب حيث يعملون على سيناريو الفيلم, وهو الآخر أب مثالي لطفلة من ذوي الاحتياجات الخاصة . وكأن الفيلم معنيّ 
بتجميع كل الآباء المثاليين وتسليط الضوء عليهم وعلى علاقتهم الرائعة بأبنائهم.
 المشهدين الرئيسيين في الفيلم –ويصعب إختيار ذلك فالفيلم مليء بالمشاهد العظيمة- عندما عرض المؤلف و الملحن أغنية Let's go fly a kite على "باميلا" فاستسلمت للموسيقى ورقصت معهم ثم لتفاجأ على أنهم سيدخلون الرسوم المتحركة في الفيلم لتنفيذ طيور البطريق الراقصة , لتمزق العقد وترحل عائدة إلى لندن .
والمشهد الثاني عندما يسافر لها "والت ديزني" ويحكي لها عن طفولته المريرة و أن أباه كان قاسي على عكس أباها ولكنه سامحه وبنى له جزء في مدينة ديزني باسمه , ثم يرجوها قائلاً "دعيني أنقذ السّيد بانكس" .
لتجلس "باميلا" أمام دمية ميكي ماوس وتنظر إليها ثم تنظر للعقد و تقول "كفى" وتوقعه في استسلام لتترك ماري بوبينز في أمانة "والت ديزني".


يجيء الدور للحديث عن الموسيقى التصويرية والتي رشحت لجائزة أوسكار والتي قام "توماس نيومان" بتأليفها. نغمة جذابة للغاية ومميزة تليق بحالة الفيلم بين الحاضر والماضي و روح ماري بوبينز المهيمنة  على الجو العام للفيلم , وجدير بالذكر أنها رُشحت أيضاَ لجائزة BAFTA Awards


 الإخراج والمونتاج سارا على خط واحد وبمنتهى الحرفية ليوازنوا بين الحاضر والماضي. قام بالإخراج "جون لي هانكوك" وقام بالمونتاج "مارك ليفولساي".

أما الإضاءة والألوان فكانت مشرقة وجذابة للغاية وتليق بروح الفيلم وقام عليها فريق كبير متمكن.

الأزياء عبرت جيداً عن أسلوب الشخصيات فكلها شخصيات حقيقية وعن أحداث الفيلم في الستينات وهناك جانب الماضي أيضاً وقت طفولة "باميلا" في أول القرن العشرين في استراليا , عبر عن تصميمهم بصورة جيدة " دانيال أورلاندي ".

أما المكياج وتصفيف الشعر الذي حوّل الممثلين للشخصيات التي جسدوها تماماً فهو من تنفيذ فريق ضخم متمكن للغاية و قاموا بالعمل في تناغم شديد .
أداء الممثلين رائع كما هو متوقع منهم, فجميعهم تقمصوا الشخصيات المطلوبة وعبّروا عنها بصورة ممتازة .

بعد أن تشاهد الفيلم ستجد نفسك عزيزي المشاهد توّد مشاهدة فيلم ماري بوبينز أو قراءة قصتها مرة أخرى, وعند كل مشهد ذُكر القصة ستنتابك القشعريرة, وستجد قلبك يخفق مع نغمات موسيقى أغاني الفيلم وكلماتها بعد أن عرفت القصة وراء تأليفها .


الفيلم بوجه عام قطعة فنية مُغلفة بحالة إنسانية رائعة لم تأخذ حقها على الإطلاق في الانتشار في الوطن العربي . ولكن الفيلم أثبت جدارته عندما رُشح للعديد من الجوائز من بينها الأوسكار والجولدن جلوب  .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق