علياء طلعت - التقرير
أحد أشهر الكوابيس و أكثرها تكرارا أن يكون الأنسان فى
مجتمع من الناس ويفقد صوته أو قدرته على الكلام، أن يصرخ فلا يسمعه أحد ، وبداية
هذا الفيلم هى أقرب ما يكون لهذا الكابوس ولكن بصورة مخيفة أكثر ..
فدوق يورك وابن الملك هنرى الخامس يقف أمام
المئات من الجماهير الذين ينتظرون أن يسمعون كلماته ،فيتلعثم وتضيع منه الكلمات،
بالطبع فضيحة للعائلة الملكية خصوصا وأن هذا الحفل منقول كذلك عن طريق الأذاعة ..
هذا هو المشهد الأول من الفيلم الرائع kings speech
الفائر بأربع جوائز أوسكار منها أفضل ممثل للعظيم الذى تم إعادة إكتشاف مواهبة
فعليا من خلال هذا الدور كولين فيرث و الفيلم كذلك ترشح لثمان جوائز أوسكار أخرى ..
الفيلم يتحدث عن دوق يورك المصاب باللعثمه
المرضيه، بالطبع مرض مثل هذا يسبب أذى نفسى ومشاكل كبيرة لأى شخص سواء فى حياته
الشخصية أو حياته العمليه لكن لفرد من العائلة الملكية هو كارثة بمعنى الكلمة خصوصاً
مع بدء عصر الأذاعة مما جعل من واجبات العائلة الملكية أن تلقى خطابات لرعاياها من
وقت لأخر فلم يعد من المستطاع إخفاء هذا السر ..
بالطبع كان هدف الدوق وزوجته الأهم فى حياته
أن يحصل على العلاج لتنتهى هذه الحالة، لذلك قام بمقابلة العديد من الأطباء وحاول العديد
من العلاجات، البعض أقنعه أن التدخين هو الحل لمشكلته ، فى حين حاول أخر أن يجعله
يتكلم بفم ملئ بأحجار صغيرة ولكن من دون جدوى ..
لتصل زوجته إلى د. لونغ فى النهاية، الطبيب
الأسترالى صاحب الوسائل المختلفة فى العلاج والذى يرفض أن يذهب هو لعلاج الدوق
ويصر على أن يأتى له بنفسه كما يقول فى حواره مع زوجة الدوق إليزابيث "ملعبى
و شروطى " فى إشارة إلى أن علاجه للدوق لن يختلف فى أسلوبه عن أى مريض أخر من
عامة الشعب ..
فى اللقاء الأول بين الدوق والطبيب ليونيل
لوغ يحدث صدام مابين الأمير الذي لايستطيع التحكم فى كلامه ولا فى غضبه وبين
الطبيب الهادئ الذى يصمم على تخطى الحواجز ومعالجته كمريض عادى ويتضح هذا فى
إصراره على مناداته بأسمه الأول بدون القاب ويسأله عن بداية الحالة التى لديه
والتى يعتقد أنها ليست حالة دائمة ، فى هذا المشهد نتعرف على الأمير ألبرت أكثر
ونعرف أن الهدف وراء محاولاته للحصول على العلاج ليس ضيقه من الحبسه الصوتيه قدر رغبته
فى الخلاص منها بسبب إلتزاماته الملكية ..
فى هذه الزيارة يقوم ليونيل بعمل إختبار
للدوق بأن يجعله يقرأ من كتاب لكن وهو يسمع موسيقى عاليه لدرجه إنه لايستطيع سماع
نفسه بعدها يفقد أعصابه ويقرر ترك العلاج بدون أن يسمع صوته لتنتهى جلسته الأولى
بطريقة غاية فى الأحباط و لكن قبل مغادرته يعطيه نسخة من الأسطوانة التى سجلها
لقرأته ..
حتى نستطيع أن نتفهم الضغوط التى يتعرض لها
الأمير ألبرت يجب أن نعلم بضع معلومات ، فى هذه الفترة من التاريخ كان هتلر يحشد
حشوده والعالم كله يستشعر القلق مما سوف يفعله فى أوربا فى مرحلة قبل الحرب
العالمية الثانية وعلى المستوى االعائلى كانت العائلة المالكة تعانى من شقاقاُ
كبيراُ بسبب ولى العهد والاخ الاكبر للأمير ألبرت والذى يصر على الزواج من امرأة
مطلقة وهو ضد قواعد وقوانين الأسرة المالكة والذى من الممكن أن يجلب العار على
العائلة مدى الحياة، هذا غير أن هذا الأخ الأكبر يعتبر شخص غير مسئول على كل
الأصعدة مما يجعل فى بال الملك دوماً أن الحكم سيئول بشكل أو بأخر للأخ الأصغر
البرت ولذلك يجب أن يكون معداً لهذا الحكم ويضغط عليه للتخلص من اللعثمة وهى
العقبة الوحيدة التى يواجهها الملك القادم ..
فى إحدى لحظات إحباطه قرر أن يسمع الأسطوانة
التى أعطاها له الطبيب ليونيل ربما رغبة منه فى جلد الذات على قصوره الذى لايملك له
علاجاً، لكن المفاجأه إنه لم يتلعثم طوال مدة الأسطوانة لذلك يلجأ للطبيب مرة أخرى
لتبدأ رحلة العلاج ..
كما قال منذ البدايه ليونيل لوغ "قلعتى
، ملعبى ، شروطى " قام بوضع كل القواعد للعلاج وكان يجب على الأمير فقط
التسليم بها والإجتهاد مهما بدت طلبات الطبيب غير منطقية ولكن العلاج يأتى بنتائج
سريعة وواضحة مما يشجع الأثنان الطبيب والمريض ..
ولكن على الجانب الأخر لم يمهله الأب الفرصة
حتى يحصل على العلاج الكامل بل توفى لتنقلب كل الأمور رأساُ على عقب ، فبوفاة الأب
الملك هنرى الخامس يصبح ولي العهد الأمير ديفيد هو الملك وهو كما قلنا الشخص
المستهتر الذى لا يبالى بوجباته الملكية قدر إهتمامة بعلاقته مع السيدة الأمريكية
التى ترفضها العائلة و يصبح دوق يورك الأمير ألبرت هو ولى العهد الجديد ..
فى هذه المرحلة تنتقل العلاقة بين ليونيل
والبرت مابين العلاقة العملية بين الطبيب والمريض إلى الصداقة ،فنجده يتجه له بعد
أيام من وفاة والده ويبدأ يتكلم عن ذكرياته وعن علاقته بأبويه وخصوصا والده الذى
فى لحظات موته أخبر من حوله أن إبنه البرت هو أفضل أبنائه فى حين إنه فى حياته كان
يضغط عليه دوماً ويثقله بالمسئوليات، ننسى هنا إنه أمير ونتذكر إنه إنسان عادى فقد
أباه والذى كان يتمنى أن يحصل على إعجابه فى يوم من الأيام ..
نتعرف على الأمير كطفل يحرم من القدرة على
اللعب مثل باقى الأطفال لأن هذا لا يلائم الوقار الملكى المطلوب، طفل أعسر يجبر
على أن يستخدم يده اليمنى مما قد يكون أحد أسباب التأتأه كذلك ويسخر منه أخيه
الأكبر لذلك السبب ،نعرف عن مربيته الأولى التى كانت تكرهه وتحرمه من الطعام وأخيه
الأخر الذى مات طفلاً بعيدا ً عن الأنظار لإنه كان مصاباً بالصرع ..
بالطبع يحدث الصراع المتوقع بين ولى العهد
البرت والملك الجديد الذى يتنصل من واجباته سواء العائلية او السياسية بسبب شخصيته
الضعيفة وعلاقته مع السيدة سمبسن التى سبق لها الزواج مرتان بل ويسعى للزواج منها
ضارباً عرض الحائط بكل القوانين الملكية والكنسية، وتحدث المشاجرة الأولى بين
البرت وطبيبه حين يخبره ماكان يتهرب من الإعتراف به وهو أن دوره أن يكون الملك
وليس ولى العهد لهذا الملك المتخبط وهو مايرفضه كإنسان وكأخ ليتوقف العلاج بعد هذه
المشاجرة ..
و لكن تأتى اللحظة الحاسمة التى يجب أن يختار
فيها الملك مابين زواجه من بين واجباته ليختار الحب ويصبح البرت الملك جورج السادس
بعد تنحى أخيه عن الحكم و من المنتظر أن يأتى العلاج السابق بأكله فى هذه اللحظة
المنتظرة خصوصاً مع حفلات التتويج الرسمية و الخطابات المختلفة التى سوف يلقيها
بهذه المناسبة ..
تبدأ مرحلة جديدة فى علاقة ليونيل لوغ و
الملك فى هذه المرة وليس مجرد الدوق حيث يساعده فى تجاوز هذه المرحلة الصعبة على
عدة أصعدة سواء كطبيب يعلاجه من اللعثمة أو كصديق يدعمه ويحتمل ثوراته على نفسه
وعلى كل العالم وخوفه من الفشل ويضغط عليه ليظهر أفضل ماعنده ويعترف فى النهاية
إنه لا يعانى من اللعثمة قدر معاناته فى الثقة فى نفسه وفى صوته أمام العالم ..
وتنتهى حفلة التتويج كأفضل مايكون ولكن القصة
لا تنتهى فلازال أمام البرت أو الملك جورج السادس الكثير من العقبات وأولها هتلر
الذى يرغب فى إجتياح اوروبا ويجب عليه أن يواجهه وينتهى الفيلم بمواجهه أخرى أمام
المكيرفون لأعلان الحرب لكن شتان بين المره الأولى التى لم يستطع فيها الكلام أمام
البعض فى معرض وبين العالم الذى أنبهر بالملك وهو يستمع إليه أثناء إعلانه الحرب
على الطاغية الألمانى ..
ليتحول الأمير المتردد المتعلثم إلى الملك
الواثق فى نفسه رمز المقاومة فى رحلة رائعة على مدى ساعتين من المتعة الفائقة
ومباراة فى التمثيل بين كولين فيرث فى دور الملك هنرى السادس و جيفرى رش فى دور
ليونيل لونغ ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق